النخب السياسية والثقافية تعيق انطلاقة حضرموت | عبد الحكيم الجابري

  •  https://adennow.net/l?a4809 
  •  
  • 21/02/2022



    في عصر حضرموت الحديث، تحديدا في عهد الجمهوريات، لم يكتب لأي عمل جماعي النجاح، ولم تكلل أي حركة جماعية حضرمية استكمال غاياتها، وتحقيق أهدافها النهائية أو حتى جزء منها، ويعود ذلك بالدرجة الأولى للاختراقات التي يتعرض لها أي تحرك جمعي، من قبل قوى وأحزاب سياسية يمنية، تدرك جيدا ان نجاح أي حركة جماعية حضرمي، من شأنها أن تنقل حضرموت من مربعات التبعية، ومن كونها عربة مجرورة من قبل الغير، الى أن تكون في مقدمة الركب تقود الجميع خلفها، أو أن تكون ندا ورقما موازيا غير خاضع لأي منهم.

    هناك سبب آخر يساعد في فشل كل تحرك جماعي حضرمي، وهو سيطرة روح الأنانية على كثير من نخبها السياسية والثقافية، الذين لايرون أي عمل الا بوجودهم في المقدمة، مالم فانهم يلجأون الى تعطيله واخراجه عن سياقه، وذلك مايطلق عليه في العُرف الشعبي "القدي"، أي أن يكون راكبا في مقدمة السيارة، حتى وان كان غير مؤهلا لقيادة جمهور، ولكن الذاتية والأنانية تتحكمان فيه، وتعميانه عن النظر لأي مصلحة كبرى ستتحقق لحضرموت وأهلها.

    الأمثلة على الحالتين المذكورتين كثيرة، ولعل في ماحدث للهبة الشعبية الحضرمية الثانية، التي انطلقت أولى فعالياتها في سبتمبر الماضي خير دليل، اذ لم تلبث هذه الحركة الشعبية أن تثبت أقدامها على الأرض، وبدأت في التوسع وتحقيق التفاف شعبي كبير، حدث الاختراق من قبل القوى السياسية الخارجية، مستخدمة كالعادة أدوات حضرمية، وبدأت تبرز للعلن نزعات قيادات هذا العمل الجماهيري، نحو مشاريع سياسية هي من أجندات وخطط قوى يمنية، وتم استغلال حقوق حضرموت ومصالحها كتورية، وللتعمية على الجماهير، التي اندفعت باخلاص وأمل بالخلاص وتحقيق أهداف فيها مصالحهم ومستقبل أجيالهم.

    وتأكيدا على سيطرة ثقافة "القدي" على كثير من النخب، تدافع عدد من النفعيين، الذين ينظرون لقيادة أي عمل جماهيري، بأنه مغنما وبوابة للجاه والمال، وبعيدا عن روح الايثار، التي يفترض أن تكون حاضرة في هكذا عمل، راحوا يتنافسون على مواقع قيادية، ظنا منهم ان هناك مغانم سيتقاسمونها، فأنهار المبنى ومعه أحلام وآمال الحضارمة، بسبب انانية وانتهازية البعض، من اصحاب الفكر النفعي، الذين لا يفوتون أي عمل ولا جهد الا حاولوا الاستفادة الذاتية منه، فكانت النتيجة انقسام الهبة، وضياع كل أهدافها المعلنة، ومنهم من تفرغ لجني ما خرج به بعد التنسيق مع السلطة والجهات المعنية، وآخرين ذهبوا لفتح قنوات تمويل ومكاتب وغير ذلك، وتحولت الهبة الشعبية وظيفة استفاد منها قلة، وهي فائدة كالسحت، لانهم اضاعوا حقوق شعب كامل، واكتفوا بالصرفيات اليومية، ومنهم من وجد فيها مصدر لتجميع الاموال، عبر التبرعات والهبات.

    أن يكونوا أدوات لتنفيذ الاختراقات الخارجية، أو يكونوا أنانيين انتهازيين لتحقيق منافع ذاتية، فإن كلتا الحالتين تعبران عن صفات سلبية، بل مرضية تعاني منها كثير من نخبنا السياسية والثقافية، ومن هذه الصفات حب العبودية، والرضا بالاخضاع والاذلال والخنوع أمام الآخرين، وهذا يظهر من خلال تقديم أنفسهم خداما لمشاريع وأجندات الجهات الخارجية، على حساب مصالح وتطلعات حضرموت وأهلها، والصفة الأخرى هي الاستعباد وحب السيطرة والتحكم في الآخرين، باستماتتهم ليكونوا في مواقع قيادية، مالم فأنهم سيعطلون أي عمل أو جهد جماعي.

    إن هذه النخب صاحبة السمات والصفات المريضة، تجدهم لا يمارسون تصرفاتهم هذه إلا على أهلهم في حضرموت، فرغم أن الحضارم هم رواد ومؤسسين، للعمل التنظيمي والجماهيري في عموم اليمن، من أحزاب ونقابات ومنظمات، الا انهم يكونون مع الآخرين على غير ماهم مع أهلهم، تجدهم متخلين عن المواقع القيادية "القدي" للغير، حتى وان كانوا هم اصحاب الفكرة والتأسيس، الا انهم يرضون بأي موقع، ويكتفون بما يقرره لهم الغير من مكسب، ويكونون خاضعين منقادين لارادتهم، والدليل ان حضرموت لم تستفد حتى اليوم من أبنائها، الذين يعملون في منظومة ومؤسسات الدولة المختلفة، لافتقادهم الثقة في أنفسهم، ولعدم حبهم الخير لأهلهم، ولن يتغير حال حضرموت الا متى تخلصت نخبها من هذه الأمراض، وتطهرت النجاسة التي يمثلها من يحملون روح التبعية، وأصحاب الفكر الانتهازي والنفعيين، لتنطلق حضرموت نحو المجد، بسواعد أبنائها وبقيادات تحمل بين جنباتها روح الولاء لحضرموت، ويؤمنون بأن مصلحة أهل حضرموت مقدمة على غيرها، ويتفانون في ذلك، دون التفكير بمكاسب من مال ومناصب.

     


  •